تعليم الكبار وخصائصه

عنوان المقال: خصائص تعليم الكبار

يُعد تعليم الكبار من الميادين التربوية التي شهدت اهتماماً متزايداً في العقود الأخيرة، نظراً لما يحمله من أبعاد تنموية وإنسانية تتجاوز حدود الفصول الدراسية التقليدية. يختلف تعليم الكبار عن تعليم الأطفال والشباب في الأهداف والأساليب والوسائط والخصائص النفسية والمعرفية للمتعلم. فهو تعليم موجّه للأفراد الذين تجاوزوا مرحلة التعليم النظامي أو لم تُتح لهم فرص التعليم في صغرهم، ويشمل فئات متنوعة كالعاملين وربات البيوت والعاطلين عن العمل وكبار السن. ومن هنا تنبع أهمية فهم الخصائص المميزة لتعليم الكبار من أجل تصميم برامج تعليمية فعالة ومؤثرة تتماشى مع احتياجات هذه الفئة الخاصة من المتعلمين.

أولاً: مفهوم تعليم الكبار

تعليم الكبار هو كل نشاط تعليمي منظم أو غير منظم يهدف إلى تمكين الأفراد البالغين من اكتساب المعرفة أو المهارات أو المواقف أو القيم التي تُعينهم على التكيف مع الحياة والعمل والمشاركة الفاعلة في المجتمع. ويشمل هذا التعليم كل ما يُقدّم خارج نطاق التعليم النظامي الرسمي، سواء في مراكز محو الأمية، أو في الورش المهنية، أو في الدورات التدريبية، أو حتى في السياقات غير الرسمية كالمنصات الرقمية والمجتمعات المحلية.

ثانياً: دوافع الكبار نحو التعلم

تختلف دوافع الكبار إلى التعلم عن دوافع الأطفال. فالكبار غالباً ما يتعلمون بدافع الحاجة أو الرغبة في تحسين أوضاعهم المهنية أو الاجتماعية أو الاقتصادية. يمكن تصنيف دوافع الكبار نحو التعليم على النحو التالي:

1. الدوافع الاقتصادية: كالحصول على وظيفة أفضل أو تحسين المهارات المهنية.

2. الدوافع الاجتماعية: مثل الرغبة في التفاعل مع المجتمع والمشاركة الفاعلة فيه.

3. الدوافع النفسية: مثل تحقيق الذات وتعزيز الثقة بالنفس.

4. الدوافع المعرفية: مثل إشباع الفضول العلمي واكتساب معارف جديدة.

ثالثاً: الخصائص النفسية والمعرفية لمتعلمي الكبار

يمتلك الكبار خصائص نفسية ومعرفية تختلف جوهرياً عن خصائص الأطفال، وهذه الخصائص يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار عند تصميم المناهج والبرامج التعليمية:

1. الاستقلالية في التعلم

يميل الكبار إلى الاستقلالية، ويرغبون في التحكم بعملية تعلمهم. فهم يفضلون التعلم الذاتي واختيار الموضوعات والأنشطة التي تتلاءم مع أهدافهم الخاصة.

2. الخبرات السابقة

يأتي الكبار إلى بيئات التعلم وهم محمّلون بخبرات حياتية ومهنية غنية، مما يؤثر على طريقة استقبالهم للمعرفة الجديدة. ويُعتبر دمج هذه الخبرات في العملية التعليمية من أسس تعليم الكبار.

3. الواقعية والعملية

يفضل الكبار التعليم القائم على التطبيق العملي والمرتبط مباشرة بحياتهم اليومية. فهم ينجذبون إلى التعلم الذي يحل مشكلات واقعية ويُطبق فوراً في حياتهم المهنية أو الاجتماعية.

4. الدافعية الداخلية

تنبع دافعية الكبار في كثير من الأحيان من الداخل، مثل الرغبة في التطوير الذاتي أو تحقيق إنجاز شخصي. وهذا يختلف عن الأطفال الذين يتعلمون غالباً بدوافع خارجية مثل درجات الامتحانات أو رضا الأهل.

5. المرونة في الزمان والمكان

يحتاج الكبار إلى نماذج تعليمية مرنة تتناسب مع التزاماتهم الأسرية والمهنية. لذا فإن التعلم عبر الإنترنت أو التعليم المسائي أو التعليم المدمج يعد مناسباً لهذه الفئة.

6. البطء النسبي في الاستيعاب

مع التقدم في العمر قد ينخفض معدل الاستيعاب وسرعة الحفظ لدى بعض الكبار، إلا أن الفهم والتحليل يكونان أكثر نضجاً. لذا ينبغي تبني أساليب تعليمية تدعم التكرار والتطبيق العملي.

رابعاً: المبادئ التربوية لتعليم الكبار

إن نجاح تعليم الكبار يعتمد إلى حد كبير على اعتماد مبادئ تربوية تتلاءم مع خصائصهم وتطلعاتهم، ومن أبرز هذه المبادئ:

خامساً: التحديات التي تواجه تعليم الكبار

رغم الفوائد الكبيرة التي يجنيها الأفراد والمجتمعات من تعليم الكبار، إلا أن هذا المجال لا يخلو من التحديات والصعوبات، ومنها:

1. ضعف التمويل والدعم المؤسسي

لا تزال العديد من الدول تولي تعليم الكبار اهتماماً أقل مقارنة بالتعليم النظامي، مما ينعكس على حجم التمويل والموارد المخصصة له.

2. الافتقار إلى المعلمين المؤهلين

يتطلب تعليم الكبار مهارات خاصة في التواصل والتخطيط والتفاعل، وهو ما يفتقر إليه كثير من المعلمين الذين تم تدريبهم على التعليم النظامي فقط.

3. ضعف الحافز لدى بعض المتعلمين

يُعاني بعض البالغين من فقدان الحافز نتيجة تجارب سلبية سابقة في التعليم أو شعورهم بأن التعليم لم يعد مفيداً.

4. القيود الاجتماعية والثقافية

في بعض المجتمعات، قد يُنظر إلى تعليم الكبار على أنه أمر غير ضروري أو غير لائق، لا سيما بالنسبة للنساء، مما يشكل عائقاً أمام التحاقهم بالبرامج التعليمية.

5. محدودية الوقت

يشكّل ضيق الوقت الناتج عن الالتزامات الأسرية والمهنية أحد أكبر التحديات التي تعيق استمرار الكبار في التعليم.

سادساً: أساليب تعليم الكبار

تتعدد الأساليب التعليمية التي أثبتت فعاليتها في تعليم الكبار، ومن أهمها:

• التعلم التعاوني: حيث يتشارك المتعلمون في مجموعات صغيرة لتبادل الأفكار وحل المشكلات.

• التعلم القائم على المشروعات: تنفيذ مشاريع عملية مرتبطة بواقع المتعلمين.

• التعلم من خلال الخبرة: تحويل خبرات الحياة إلى مصادر للتعلم من خلال النقاش والتأمل والتطبيق.

• المحاضرات التفاعلية: التي تدمج الشرح مع الحوار والمناقشة.

• التعلم الإلكتروني: عبر الدورات الإلكترونية المفتوحة ومنصات التعلم عن بُعد.

سابعاً: دور التكنولوجيا في تعليم الكبار

أحدثت التكنولوجيا ثورة في ميدان تعليم الكبار، إذ مكّنت الكثير من البالغين من الوصول إلى المعرفة بسهولة ومرونة. ويشمل ذلك:

• منصات التعليم المفتوح: مثل Coursera وEdX وFutureLearn، التي توفر دورات مجانية أو مدفوعة في مختلف المجالات.

• التطبيقات التعليمية: التي تتيح تعلم اللغات أو المهارات التقنية عبر الهواتف الذكية.

• الفصول الافتراضية: التي تتيح التواصل الحي بين المعلم والمتعلم رغم البعد الجغرافي.

• الكتب الإلكترونية والمصادر الرقمية: التي توفر إمكانية القراءة والتعلم في أي وقت ومكان.

ثامناً: الأثر الاجتماعي والاقتصادي لتعليم الكبار

لا يمكن إغفال التأثير العميق الذي يحدثه تعليم الكبار في المجتمعات، فهو يسهم في:

• خفض معدلات الأمية: مما يرفع من الوعي العام ويساهم في التنمية المستدامة.

• تمكين المرأة: من خلال تعليمها المهارات التي تعزز من استقلاليتها الاقتصادية والاجتماعية.

• زيادة الإنتاجية: بتزويد القوى العاملة بمهارات جديدة تواكب التغيرات التكنولوجية والمهنية.

• تعزيز المشاركة المدنية: إذ أن المتعلم الواعي أكثر استعداداً للمشاركة في الحياة السياسية والاجتماعية.

• الحد من الفقر: من خلال تزويد الأفراد بالمعرفة التي تمكنهم من تحسين أوضاعهم الاقتصادية.

تاسعاً: نماذج عالمية ناجحة في تعليم الكبار

1. النموذج الإسكندنافي

تعد دول مثل السويد والنرويج والدنمارك من أنجح الدول في دمج تعليم الكبار ضمن استراتيجياتها التنموية، حيث توفر برامج مجانية مرنة تراعي الفروق الفردية.

2. نموذج كوريا الجنوبية

ركزت كوريا على ربط تعليم الكبار بالتطور التكنولوجي وسوق العمل، مما ساعد على دعم الاقتصاد المعرفي وتخفيض معدلات الأمية.

3. النموذج البرازيلي

من خلال برامج محو الأمية التي ربطت التعلم بالواقع الاجتماعي والسياسي، حققت البرازيل تقدماً ملموساً في تعليم الفئات المهمشة.

عاشراً: مستقبل تعليم الكبار

يتجه مستقبل تعليم الكبار نحو المزيد من الرقمنة، والتخصصية، والتعلم مدى الحياة. وستلعب الذكاء الاصطناعي وتقنيات الواقع الافتراضي دوراً متزايداً في إثراء هذا التعليم وتخصيصه لاحتياجات المتعلم الفردية. كما أن التحولات الاقتصادية والسكانية ستجعل من تعليم الكبار ركيزة أساسية في الحفاظ على قدرة الأفراد والمجتمعات على التكيف مع التغيرات المتسارعة.

المراجع:

1. Knowles, M. S. (1984). The Adult Learner: A Neglected Species. Gulf Publishing Company.

2. UNESCO Institute for Lifelong Learning (2022). Global Report on Adult Learning and Education (GRALE).